بسم الله - والحمد لله-والصلاة والسلام على رسوله الله-وبعد-
قال: أبي داود في سننه: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ،قال:حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ
ا بْنُ مُسْلِمٍ ،قال:حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ
قَالَ :حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو السُّلَمِيُّ وَحُجْرُ بْنُ حُجْرٍ،
قَالَا أَتَيْنَا الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ وَهُوَ مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ {وَلَا عَلَى الَّذِينَ
إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ }- ص 201 -
فَسَلَّمْنَا وَقُلْنَا أَتَيْنَاكَ زَائِرِينَ وَعَائِدِينَ وَمُقْتَبِسِينَ فَقَالَ الْعِرْبَاضُ
صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا
فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ
فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا
فَقَالَ" أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا
فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي
وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا
بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ
بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ "
سنن أبي داود - كِتَاب السُّنَّةِ -باب- أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا
حديث - رقم 4607 -وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم - 4607 - صحيح
الشرح
هذا الحديث أصل في بابه في بيان الاستمساك بتقوى الله -جل
وعلا- والوصية بذلك، والاستمساك بالسمع والطاعة، وبالسنة
وبطريقة الخلفاء الراشدين المهديين من بعد النبي عليه الصلاة
والسلام
قال العرباض بن سارية -رضي الله عنه-: وعظنا رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- موعظة وجلت منها القلوب، وزرفت
منها العيون "وعظنا رسول الله -صلــى الله عليـــه وسلـــم-
موعظة" الوعظ هو التـذكير بالأمــر والنهي، وبحــقــوق الله
-جل وعلا- في الأمر والنهي -يعني: فيما أمر به ونهى عنه-
، وهذا يكون معه غالبا التخويف. فالموعظة قد تكون بترغيب،
وقد تكون بترهيب، والغالب عليها أن يكون معها التخويف من
عدم امتثال الأمر أو بإرتكاب النهي، قد جاء ذكر الموعظة في
القرآن في عدد من المواضع، والمفسرون فسروها بإتباع الأمر،
أو بالتذكير بإتباع الأمر، والتذكير بإجتناب النهي، قالوا: إن لفظ
"وعظ" بمعنى: جعل غيره في عظة.
والعظة: نوع مما يحصل به الاعتبار، وذلك من آثار الاستجابة
للتخويف أو التهديد أو الإنذار أو الإعلام وما شابه ذلك؛ فلهذا
فسرت الموعظة فيما جاء في القرآن بأنها كما ذكرت لك امتثال
الأوامر، واجتناب النواهي، وإلقاء ذلك بشيء من التخويف
منهما، وعمم الموعظة أمور الترغيب والترهيب، فيقال: هذه
موعظة إذا ذكر بالله وبالآخرة، وبأمر الله ونهيه، وبعقوبة
المنتهي عن الأمر، أو المرتكب للمنهي حين يذكر بعقوبته
في الآخرة أو في الدنيا صار واعظا.
المقصود من هذا أن قوله هنا: وعظنا رسول الله -صلى الله
عليه وسلمموعظة وجلت منها القلوب، وزرفت منها العيون
سبب الوجل، وجل القلوب، وسبب أن العيون زرفت، أنها
اشتملت على أشياء منها: التخويف والوعيد، ومنها أنه
نبههم أنه سيفارقهم.
فجمع -عليه الصلاة والسلام- لهم ما بين الإشعار بمفارقته
لهم-عليه الصلاة والسلام- وما بين تذكيرهم بأمر الله -جل
وعلا-، وبحدوده وأوامره، والتخويف من مخالفة ذلك، فقال
-رضي الله عنه-: وجلت منها القلوب، وزرفت منها العيون.
والوجل -وجل القلوب- أعظم من خوفها؛ لأن الوجل خوف
وزيادة، وهو الخوف الذي معه اغترار وتردد في هذا الأمر-
يعني: أنه خاف منه مع كون القلب راغبا راهبا في هذا الأمر-
فهناك درجات فيه: الرهبة، والخوف، والوجل، فكلها داخلة
في معنى الخوف، لكن كل واحدة لها مرتبتها.
قال: فقلنا: يا رسول الله، كأنــها موعـــظة مودع يعــني لـما
اشتملت عليه من الإشارات، ولما كانت عليه من أنها جامعة
فاستشفوا أنها موعظة مودع لهــم، فكأنه -عليــه الـصــلاة
والسلام- جمع لهم ما يحتاجون، وأرشدهم بذلك بأنه ربــمــا
فارقهم؛ لأنه جمع أشياء كثيرة في مكان واحد.
قال: "فأوصنا" ومر معنا معنى الوصية، قال -عليه الصلاة
والسلام-: أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والتقوى: هي وصية
الله للأولين والآخرين، وقد ذكرنا لكم أن معنى التقوى أن تجعل
بينك وبين عذاب الله وسخطه وعقابه في الدنيا الآخرة وقاية،
وهذه الوقاية بامتثال أوامره واجتناب مناهيه، والعمل بسنة
المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، والتقوى في كل مقام
بحسبه.
فقد فسرت التقوى بعدة تفسيرات ذكرناها لكم، ومن أحسنها
قول طلق بن حبـيـب -رحمه الله تعالى- أن التقوى: هي أن
تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك
معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله.
فجمع في هذا التعريف بين الترك والعلم والنية، وهذا هو
حقيقة التقوى في الأوامر والنواهي، قال: أوصيكم بتقوى الله
-عز وجل- والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد فإنه من
يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا قال: والسمع والطاعة
والسمع والطاعة حقان للإمام أو للأمير، وهما من ثمرات
البيعة؛ لأن البيعة عقد وعهد على السمع والطاعة، فتحصل
بالمباشرة وتحصل بالإنابة.
فالسمع والطاعة من ثمرات البيعة، فالإمام المسلم إذا بايعه
طائفة من أهل العلم، ومن يسار إليهم في الحل والعقد - فإن
في بيعتهم له على السمع والطاعة، وعهدهم له أن يسمعوا
ويطيعوا -في ذلك مبايعة بقية المسلمين، وعلى هذا جرت
سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين.
فالسمع والطاعة -كما ذكرت لك- لا فرق بينه وبين البيعة،
ومن فرق بين البيعة وبين السمع والطاعة في الحقوق التي
للإمام المسلم أو للأمير المسلم، فلا دليل له من سنة المصطفى
-صلى الله عليه وسلم-، ولا من عمل الصحابة والتابعين، ولا
من قول أهل السنة والجماعة، وأتباع السلف الصالح من عقائدهم.
فالسمع والطاعة للأمير المسلم حق من حقوقه؛ لقول الله -جل
وعلا-: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ }لكن
السمع والطاعة له لا تجب له حقا له استقلالا، وإنما هي
على وجه التبع -يعني أنها تبع لطاعة الله وطاعة رسوله؛
ولهذا جاء في الأحاديث بيان أن الطاعة إنما هي في المعروف
والمعروف هو ما ليس بمعصية -يعني: ما عرف في الشرع
حسنه- وهو ما ليس بمعصية؛ ولهذا جاء في أحاديث أخر
بيان أن الطاعة تكون في غير المعصية، وعلى هذا اعتقاد
أهل السنة والجماعة في امتثالهم لهذه الوصية العظيمة منه
-عليه الصلاة والسلام-: أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع
والطاعة .
السمع والطاعة -كما ذكرت لك- يعني في غير المعصية، فإذا
كان في الواجبات فالسمع والطاعة لأمر الله -جل وعلا-ولحق
الله -جل وعلا- لا لحق الأمير، وإذا كان في المبيحات أو فيما
يكون فيه الاجتهاد، فهنا يتوجه السمع والطاعة لحق الإمام
أو لحق الأمير.
يعني أن المسائل ثلاث: ما وجب بأصل الشرع فإنه يطاع فيه
الأمير لأمر الله -جل وعلا- لذلك، وليــسـت الطاعة هــنا فـي
الواجب من حقوقه، بل هو يطاع لحق الله -جل وعلا- في
طاعته فيما أوجب جل وعلا.
والحالة الثانية: أن يأمر أو ينهى عن مباح، أو فيما فيه إجتهاد،
أو عن مكروه أو ما أشبه ذلك، فإنه يطاع هنا لحقه هو؛ لأن الله
-جل وعلا- جعل له السمع والطاعة.
الحالة الثالثة: أن يكون أمره بمعصية أو نهيه عن واجب، فهنا
لا طاعة له؛لأن طاعة الله -جل وعلا- حق مقدم على طاعة غيره
ممن جعل الله -جل وعلا- له الحق، فمثلا: الوالدان، والمرأة
لزوجها، والإمام، وأشباه ذلك ممن جعل الله -جل وعلا- لهم
حقافي السمع والطاعة، فإنهم يطاعون في غير المعصية،
يعني: فيما جاء في الشريعة أنه غير محرم.
قال: وإن تأمر عليكم عبد "وإن تأمر عليكم عبد" في قوله:
"تأمر" معنى تغلب، وإن تأمر عليكم عبد يعني: غلب عبد
على الإمارة، فدعا لمبياعته أو دعا لأن يسمع له ويطاع،
فهنا يجب أن يسمع له ويطاع؛ فلهذا قال العلماء: الولايات
الشرعية العامة تكون بإحدى طريقين:
يـــتــــبــع بإذن الله
التوقيع :
اللهم عافني في ديني ونفسي وأهلي ومالي